مسرحية 'فيزا' للمرّة الثانية على قرطاج: كوميديا سوداء تحاكي أزمة وطن
احتضن المسرح الأثري بقرطاج، ليلة أمس، في إطار تظاهرة "ربي يحفظ تونس" التي تنظّمها ودادية أعوان وإطارات رئاسة الحكومة، مسرحية "فيزا" للممثل كريم الغربي.
ويُذكر أنّها المرة الثانية التي يعتلي فيها كريم الغربي مسرح قرطاج بمسرحية "فيزا"، حيث سبق أن صعد على الرّكح سنة 2023 ضمن فعاليات مهرجان قرطاج الدولي في دورته السابعة والخمسين.
أجواء تونسية وسط إقبال جماهيري
انطلق العرض عند الساعة العاشرة وتسع دقائق، وبدأت السهرة على إيقاع الربوخ والزغاريد، حيث تزيّنت الأجواء بروح تونسية أصيلة ومزجت بين الضحك العفوي والوجع الصامت.
امتلأت مدارج المسرح بجمهور متنوّع جاء من مختلف المناطق ليشارك كريم الغربي الضحك الممزوج بالألم.
كما شهد المسرح حضور عدد من الوجوه البارزة، على غرار الفنان مهدي العياشي، والممثلة مريم بن مامي، والإعلامي سمير الوافي، ولاعب كرة السلة الدولي صالح الماجري.
كريم الغربي، الذي صعد إلى ركح قرطاج للعام الثاني على التوالي، لم يُخفِ توتره؛ فقد كان يدرك أن تكرار النجاح ليس أمرًا يسيرًا. وقد صرّح بأنّه لم يكن خائفًا من مواجهة الركح بقدر ما كان يخشى ألّا يجد نفس الحماس من الجمهور الذي شاهد العرض سابقًا، خاصةً وأنّ العمل جال مسارح تونس لسنوات. لكنه سرعان ما وجد الإجابة في تصفيقات الحاضرين الذين غمروا المكان بطاقة عالية منذ اللحظات الأولى.
"فيزا".. كوميديا سوداء تحاكي الواقع التونسي
مسرحية "فيزا" ليست مجرّد عرض كوميدي تقليدي؛ فهي عمل يلتقط تفاصيل الواقع التونسي بذكاء وسخرية، إذ يسلّط الضوء على مواضيع شائكة مثل البطالة، والبيروقراطية، والأحلام المؤجلة وراء "الفيزا" التي تحوّلت إلى حلم جماعي لدى الشباب الباحث عن فرص أفضل خارج الحدود.
كريم الغربي جعل من الركح مساحة لطرح أسئلة وجودية؛ فبين المواقف المضحكة والمواقف الساخرة، مرّر رسائل إنسانية عميقة. واحدة من أكثر اللحظات المؤثرة كانت حين تطرّق، للمرة الأولى منذ خمس سنوات من تقديم العرض، إلى الحديث عن عائلته.حيث تحدّث عن والدته التي عملت عاملة نظافة، ووالده الراحل الذي كان نادلاً في مقهى، ليحوّل المسرح إلى رسالة مفتوحة للشباب:"لا تخجلوا من أصولكم ولا من مهن أوليائكم… الفخر الحقيقي هو أن تعترفوا بتضحياتهم." وأضاف أنّ الحلّ يكمن في الدراسة لجعل أوليائهم فخورين بهم.
موضوع الساعة
رغم الطابع الكوميدي للمسرحية، لم يتردّد كريم الغربي في ملامسة جروح المجتمع التونسي العميقة، وعلى رأسها أزمة نقص الأدوية التي عادت بقوّة إلى الواجهة خلال الأيام الأخيرة بعد وفاة شابين بسبب عدم توفّر أدوية أساسية للعلاج.
ويُذكر أنّ كريم الغربي قدّم عرضًا في مهرجان الكراكة بحلق الوادي وعاش على وقع لقطة مؤثرة عندما تفاعلت معه سيدة من بين الحاضرين، إذ بكت وصرخت معبّرة عن عجز المواطن التونسي في الحصول على الأدوية الضرورية.
كريم الغربي قال في هذا السياق إنّه لم يكن يبحث عن الدراما في حد ذاتها، بل إنّ المأساة فرضت نفسها على النص؛ فالمسرح، بالنسبة له، لا يمكن أن يكون منفصلًا عن المجتمع الذي ينتمي إليه.
مشاريع فنية جديدة
كشف كريم الغربي عن ملامح المرحلة القادمة من مسيرته، حيث يستعد لإطلاق مسرحية جديدة بعد شهر رمضان المقبل، إلى جانب مواصلة بعض عروض "فيزا". كما سيواصل خوض التجربة الكوميدية في سيتكوم و فيلم "صاحبك راجل" في الجزء الثاني منهما.
مسرحية "فيزا" كانت مرآة عاكسة لوجع التونسيين وأحلامهم، صاغها كريم الغربي بخيط رفيع من الكوميديا السوداء التي جعلت الجمهور يتأرجح بين الضحك والبكاء. كان ركح قرطاج شاهدًا على لحظة إنسانية صادقة، جمعت بين الفن والواقع، بين الحلم والخذلان، وبين صوت الممثل وصدى المواطن.
ليندا بلحاج